الغزو الثقافي الصهيوني دراسة في أبعاده وسبل مواجهته

الغزو الثقافي الصهيوني دراسة في أبعاده وسبل مواجهته

 

 

الغزو الثقافي الصهيوني دراسة في أبعاده وسبل مواجهته

 

ماجد سعيد

باحث عراقي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد مضي أكثر من عشرين عاماً على توقيع معاهدة «السلام» بين الكيان الصهيوني ومصر تحت رعاية الولايات المتحدة، الاّ أنّ الدوائر الأميركية المتخصّصة بشؤون الشرق الاوسط والخبراء المهتمّين بهذه الشؤون يعتقدون أن أثر هذه المعاهدة لم ينشر ظلاله على الجانبين، وبقيت العلاقات بين الطرفين غير جادة تماماً، حيث يسودها الفتور الشديد الذي يحول دون إحراز أيّ تقدّم على صعيد التعاون المتبادل.

 

والسبب يعود في ذلك ـ كما تراه تلك الدوائر ـ الى وجود عقبة «هائلة» تصطدم بها حركة «السلام» دائماً، ولم يمكنها تجاوزها طالما بقيت الأمور على هذا المنوال، ألا وهي الثقافة الإسلامية التي يحملها الشعب المصري التي ترى نفسها في مواجهة مع ثقافة العدو الصهيوني.

 

وفي إثر ذلك أقام معهد الدراسات الأميركي الخاص بوسائل الإعلام ندوة واسعة تحت عنوان «مقاومة السلام وأسبابه السايكولوجية» حضرها جماعة من المتخصّصين في هذا المجال من علماء النفس وخبراء استراتيجيّين وأساتذة العلوم السياسية من أميركا ومصر والكيان الصهيوني. وقد تمّ بحث أبعاد المقاومة الوطنية لعملية «السلام» ودراسة أسباب ديمومتها وسبل علاجها، حيث توصّلوا الى نتيجة مفادها: ضرورة توجيه الثقافة العامة، ثم الرأي العام باتجاه بحيث يخدم عملية «السلام» ويوافق مصالحها الثابتة.

 

وقد أدرك مستشارو الكيان الصهيوني وخبراؤه العاملون في فلكه هذه الحقيقة جيداً، فشرعوا بتأسيس برنامج عمل دقيق يتمّ من خلاله نقل الصراع من الجبهات العسكرية والسياسية الى جبهة أخرى بعيدة عن تلك الجبهتين، ألا وهي الجبهة «الثقافية»، ومحاولة فرض الحصار على الثقافة الإسلامية التي تتمسك بها شعوب المنطقة، واستبدالها بثقافة مستوردة تسمح بإحلال النظام العالمي الجديد في منطقة الشرق الأوسط الإسلامي.

 

وممّا يساعد على تثبيت أركان هذه العملية وجود عاملين مهمّين:

 

الأول: الوجود الأميركي في المنطقة الذي يمكنه ممارسة الضغوط التي تلعب دورها الكبير في إنجاز مالا يمكن إنجازه في غير هذه الحالة.

 

الثاني: حالة الاستسلام التي يعيشها بعض حكّام المسلمين، والتي من شأنها أن تمنح عملية «السلام» ضمانات كافية على طول مسار مراحلها المتعدّدة.

الخطّة الأميركية ـ الصهيونية:

ويمكن تلخيص هذه الخطّة في هذا الصعيد كالتالي:

 

1 ـ محاولة السيطرة على وسائل الإعلام في العالم، وبسط النفوذ على وكالات الأنباء العالمية وشبكات التلفزة المشهورةو المحطّات الفضائية المعروفة. إذ من خلال السيطرة على هذه الوسائل ستتمّ الهيمنة على أذهان وافكار الشعوب، وبالتالي دسّ ما تريد قوله وحذف مالاترغب فيه، وهذا يعني السيطرة الكاملة على الأجواء الثقافية للشعوب، وخاصّة شعوب المنطقة المعنية لعملية «السلام».

 

2 ـ إقامة الندوات والمؤتمرات للبحث في هذه القضية، والعمل على تهيئة الدراسات والبحوث المتعلّقة في هذا المجال، والمطالبة باقتراحات جديدة ـ ولو حقيرة ـ من المجتمعين والمؤتمرين يمكن أن تكون ذات مبنىً يتمّ الإستفادة منه في هذا الخصوص.

 

3 ـ تهيئة ميزانية هائلة تغطي مراحل الخطّة، وصرف جزء كبير منها في تأسيس المعاهد والمراكز الفنية والعلمية والأكاديمية النشطة في الشرق الأوسط الإسلامي.

 

فقد أعلن شمعون بيريز في أحد لقاءاته: أنّ 40% من ميزاينة اسرائيل خصّصت للمجال الثقافي والبحث العلمي. وأضاف: واذا حلّ زمن «السلام» فيجب مضاعفة هذه النسبة([1]).

 

4 ـ توسيع دائرة العلاقات مع الفنانين والمثقفين العرب والمسلمين، وتهيئة الأجواء لعمليات اللقاء وفتح القنوات معهم على سبيل تنظيم «تجمعات ثقافية» أو «رابطات إقليمية» وما شابه ذلك.

 

5 ـ تنمية السياحة الاسرائيلية، والإهتمام بها بالشكل الذي يتسنّى للزائرين والسوّاح أن يتعرّفوا على الثقافة والآداب «الصهيونية». وبالمقابل تنظيم رحلات «السوّاح» الصهاينة لإختراق المناطق السياحية العربية الإسلامية بعناوين مختلفة.

 

تسخير وسائل الإعلام العربية لعملية التطبيع; من الأساليب المهمّة التي يتّبعها الصهاينة في عملية الإختراق الثقافي هو الاستفادة من وسائل الإعلام العربية الإسلامية والتي من خلالها يسعى هذا الكيان الغاصب الى تطبيع العلاقات الثقافية بينه وبين الأطراف العربية الإسلامية، والتقليل من شدة العداء والحسّاسية التي يكنّها المسلمون تجاه الصهاينة الغاصبين.

 

فبعض مدراء وسائل الإعلام العرب «جعلوا من أنفسهم جسوراً لتمرير مخطط التطبيع» وذلك بسبب إرتباطهم المشبوه أو لإفتقادهم الرؤية الصحيحة، فكانوا من الممهّدين للغزو الثقافي الصهيوني البغيض.

وقد رصدت مشاهدات كثيرة تدلّ على ما نذهب إليه:

منها: إستبدال الخطاب الإعلامي الهادر بالغضب والمشبّع بالعداء لهذا الكيان الغاصب بخطاب آخر يحمل بين طيّاته الودّ والرغبة في التقارب كما هو واضح لأدنى تتبّع.

 

ومنها: ما حصل من التغطية الإعلامية الواسعة لوقائع الإتفاق الذي جرى مؤخّراً بين الأردن والكيان الصهيونى المحتلّ من قبل الكثير من شبكات التلفزة العربية والمحطّات الإذاعية، والصحف الرئيسية الناطقة بالعربية.

 

بل انّ بعض الشبكات التلفزيونية قامت بإجراء لقاء مع رئيس الوزراء الصهيوني شخصياً، وبثّه بصورة مباشرة عبر محطّاتها الأثيرية! اضافة الى بعض الصحف التي تجاوزت بعض الخطوط الحمراء لتنشر لقاءً صحفياً ممتعاً! مع شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي، كالذي أجرته صحيفة «الحياة» اللبنانية، وما أجرته صحيفة «الشرق» الصادرة في قطر مع اسحاق رابين والذي اعتبرت «بادرة طيبة» تستحقّ الثناء عليها! ([2]).

 

وقد تعدّى الأمر الى اكثر من ذلك، فقد اندفعت «نخبة» من المثقّفين العرب الى إقامة الندوات واللقاءات «الودّية» وتحت عناوين مختلفة مع «المثقّفين» الصهاينة للبحث في مسألة «التواصل الثقافي» و«الإنفتاح الفكري الحضاري».... وما الى ذلك.

 

من قبيل الندوة التي أُ قيمت في شهر نيسان من عام 1996م والتي حضرها ثلاثة من الكتّاب المصريّين وهم:لطفي الخولي، وأحمد عبد الحليم، وتحسين بشير، وأربعة عشر صهيونياً كلّهم يشغلون مناصب حسّاسة في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي، حيث دار الحديث بينهم حول الإنفتاح والتواصل الثقافي العربي ـ الصهيوني([3]).

 

وما نشرته صحيفة «النهار» من خبر إقامة منظمة اليونسكو بين 19 ـ 21 أيلول من عام 1994م مؤتمراً في تونس تحت شعار «دراسة أبعاد الابداع الشعري والقصصي في العالم العربي في مطلع القرن الواحد والعشرين» وقد حضره الكاتب الصهيوني المعروف سامي ميخائيل الذي يعدّ المنظّر الثقافي الأول لعملية التطبيع العربي ـ الصهيوني، برفقة عدد من الأدباء والكتّاب العرب الذين طالما كتبوا عن دور الصهاينة في «نهضة» العالم العربي، أمثال: طاهر بن جلون، وأميل حبيبي الذي حصل على جائزة «السلام الثقافي» وقد تسلّمها من يد رئيس وزراء الكيان الصهيوني شخصاً، والطيب صالح، وصلاح ستيته، وفينوس خوري، وإلياس خوري، وكمال أبو ديب، ومحمد برادة، ومحمد بنيس، وتوفيق بكّار، وجمال الغيطاني، وصنع الله ابراهيم، ومالك علوله([4]).

 

وفي هذا الصعيد أيضاً ماأقامه «صحفيون بلا حدود» الندوة المفتوحة بمناسبة مرور عام على التوقيع على معاهدة «السلام» بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني التي عقدت بتاريخ 25 ـ 27 كانون الثاني/يناير من عام 1994م تحت شعار «الصحافة والسلام» اشترك فيها صحفيّون من مصر والأردن والكيان الصهيوني ولبنان والضفة الغربية وغزّة، بالاضافة الى ممثّلين عن الصحف الأوروبية من اليونان والبرتغال، فأنهت أعمالها باصدار بيان تضمّن التأكيد على النقاط التالية:

أ ـ السلام هو الحلّ الوحيد لمستقبل الشرق الأوسط!.

ب ـ ضرورة إنفاذ «السلام» الى صميم المجتمع العربي الإسلامي، وبلورته كضرورة لابدّ منها.

ج ـ الدعم الشعبي لمبدأ «السلام».

د ـ توحيد الجهود في سبيل نبذ الركود والإنحسار على هذا الصعيد.

هـ ـ تأسيس مركز إعلامي في منطقة الشرق الأوسط ـ بما فيه الكيان الصهيوني ـ لتبادل الأخبار والمعلومات.

الإهتمام الصهيوني بالتراث الإسلامي:

من الأساليب التي تتبعها الصهيونية والمؤسّسات التابعة لها في خطّتها المتضمّنة غزوها الثقافي: تأبين الوجوه الثقافية البارزة في العالم العربي الإسلامي، لغرض رفع الحواجز والعقبات الثقافية التي تحول دون تمدّدها في المنطقة، من خلال التخفيف من شدة الحساسية الموجودة لدى الشارع العام العربي ثم الإسلامي تجاه الوجود الصهيوني السرطاني في قلب منطقة الشرق الإسلامي.

 

وقد لوحظ ـ على سبيل المثال ـ نشاطات العدو الغاصب في هذا المجال:

 

1 ـ حفلة التكريم التي أقامتها سفارة اسرائيل لجبران خليل جبران الأديب العربي المعروف، وقد دار حديث «ثقافي» موسّع في الحفل حول شخصية هذا الأديب وأشعاره وكتبه ونشاطاته الأدبية([5]).

 

2 ـ القيام برحلات ثقافية وفنية للكتّاب والفنانين العرب الى الكيان الصهيوني، وإجراء «برامج عربية» في تل أبيب، بتنسيق مشترك بين وزارة الإعلام المصرية ووزارة «الثقافة» الإسرائيلية.

 

3 ـ إحداث عدد من المقاهي على الطراز العربي التقليدي، وإستقبال الضيوف والزبائن بالأغذية والأطعمة العربية من قبل الصهاينة في مختلف الدول الأوروبية.

تأسيس المراكز السياسيّة:

إنّ تأسيس المعاهد والمراكز الثقافية التي تعنى بالشؤون السياسية يعتبر من أهمّ العوامل فعّالية للصهاينة في صراعهم مع الإسلام والأمة الإسلامية، لأنّها تلعب دوراً خطيراً في تهيئة المنظومات التي على أساسها تقوم الأعمال الأخرى، وفي وضع المخطّطات لتغيير التركيبة الثقافية العامة للعالم الإسلامي.

 

فهذه المراكز بمثابة «العقل» المدبّر والمخطّط للفعاليات التي يقوم بها العدو الصهيوني البغيض في هذا الصعيد، و«غرف عمليات» لكلّ النشاطات الموجّهة ضد الإسلام وأتباعه.

 

فقد نشرت مجلة «المجتمع» الكويتية تقريراً خطيراً تضمّن إحصائية لعدد المؤسّسات والمراكز الفكرية والثقافية التي تزايد عددها في الآونة الأخيرة بشكل يثير الدهشة، التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بإسرائيل، وأنّ جميع هذه المراكز والمؤسّسات تشترك في هدف واحد هو إقامة علاقات وارتباطات ثقافية بين الصهاينة والعرب المسلمين، وأنّ أغلب هذه المراكز تمّ إحداثها بعد معاهدة مدريد عام 1991م.

مؤسّسة البادرة من أجل السلام:

ويضيف التقرير بأنّ من أهمّ هذه المراكز وأخطرها في هذا الصعيد: المؤسسة التي تطلق على نفسها إسم «البادرة من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط: البحث عن أرضية مشتركة» التي تضمّ عدداً كبيراً من رجال السياسة الأميركيّين المعروفين أمثال: آلفرد اثرتون الذي يشغل منصب رئيس المؤسسة حالياً، وهارولد ساندرز، وشيستر كروكور، وريتشارد مورفي، ودورف زاخم الذي كان يشغل منصب نائب وكيل وزارة الدفاع الأميركية سابقاً، بالإضافة الى (25) شخصاً آخرين من الاميركيّين والاسرائيليّين والعرب، وينتمي الأعضاء العرب فيها الى المغرب ومصر والأردن وعمان والكويت ولبنان([6]).

 

وهذا التقرير يكشف بوضوح ـ لمن يطالعه ـ عن الدقّة التي يتّسم بها المخطّط الثقافي الأميركي ـ الصهيوني المشترك في صعيد الإعداد والبرمجة العالية بإتجاه الغزو الثقافي الغربي ضد الإسلام والمشرق الإسلامي.

 

المركز الأكاديمي الإسرائيلي:

 

وهناك أيضا مركز أكاد3يمي إسرائيلي متخصّص في هذا المجال اتّخذ من القاهرة مقرّاً له، تأسس عام 1984م، وبدأ بأعماله ونشاطاته في أوائل عام1985م التي تصبّ كلّها في أغراض تجسّسية مشبوهة هدفها «التعرّف» على الشبكات والمجاميع الأدبية والفكرية والثقافية والفنية والعلمية الناشطة ضد الصهيونية أو اسرائيل.

 

كما ويسعى هذا المركز في نشاطاته «الأكاديمية» الى التركيز على مسائل عديدة محورية ذات العلاقة في هذا المجال، من أهمّها:

 

ـ التعرّف على جذور وخلفيات الفلكلور العربي وبالخصوص المصري واللبناني والأردني ومحاولة كشف الطرق الصحيحة الى تغييرها.

 

ـ متابعة القضايا ذات العلاقة بالتعليم والتربية الإسلامية في البلدان العربية.

ـ مراقبة الحركة الفنية العربية ومراكزها الرئيسية.

ـ متابعة المسائل المتعلقة بالشعر والشعراء والكتّاب العرب.

ـ دراسة امكانية اقامة «وحدة ثقافية وعقائدية بين الإسلام واليهودية».

وما الى ذلك من القضايا التي تتعلق بالوضع الفكري والحركة الثقافية في البلدان العربية الإسلامية، وخاصة تلك التي تحيط بالكيان الغاصب([7]).

منظمة الحوار اليهودي ـ العربي:

كما ونشرت صحيفة «الحياة» خبر تأسيس منظمة تدعى بـ «منظمة الحوار اليهودي ـ العربي في اوروبا» (G.E.D.E.C) بدعم من الأمم المتحدة عام 1991م. واستنادا الى تصريح السيدة سائدة نسيبة: فانّ هذه المنظمة باعتبارها منظمة غير رسمية تهدف الى اقامة علاقات ثقافية بين اليهود والعرب. ومن ضمن مهامها الاخرى إصدار مجلّة كل شهرين تحمل إسم (G.E.D.E.News) تعلّم فيها اليهود والاسرائيليّين «طرق الحياة السليمة»! ويقع مقرها في لندن([8]).

مركز «غوته» الثقافي:

وهذا مركز «غوته» الثقافي الألماني المعروف في مصر الذي يلعب دوراً مهماً في هذا الصعيد، حيث انّه يعتبر جسر اتصال بين الكيان الصهيوني والعالم العربي الإسلامي.

 

فقد كشفت الكاتبة المصرية «سلوى بكر» النقاب عن أنّ هذا المركز يمارس نشاطات بارزة في مجال التطبيع، فهو يقوم بإستدعاء الكتّاب الاسرائيليّين شهرياً لتشكيل مؤتمر في مقرّه وعلى الأراضي المصرية، ويحاول في الوقت نفسه حمل الكتّاب المصريّين على الحضور في هذه المؤتمرات وبشتى الأساليب والطرق.

 

وقد أعلنت هذه الكاتبة عن أنّها تلقّت اكثر من دعوة من قبل المركز الثقافي الألماني المذكور هذا لإقامة مؤتمر ثقافي في الكيان الصهيوني في خصوص كتاباتها([9]).

 العقبات التي تواجه الغزو الثقافي الصهيوني:

بالرغم من كل الإجراءات الهائلة التي إتخذتها الدوائر الغربية ـ الصهيونية في تنفيذ مخطّطاتها الرامية الى غزو الامة الإسلامية على الصعيد الثقافي، ونقل الصراع من الجبهة العسكرية والسياسية الى ساحة الفكر والثقافة، وما سخّرته من أموال طائلة ووسائل ذات صفة تقنية عالية في نشاطاتها وتحركاتها، إلاّ أنّها تواجه العديد من العقبات والمشاكل العويصة التي تعترض طريق عملها في هذا المضمار.

ويمكن تلخيص أهم هذه العقبات والمشاكل كالآتي:

1 ـ مشكلة العقيدة اليهودية والتطلّعات الصهيونية التي روّجوا لها منذ نشوء هذا الكيان البغيض. فالمعتقدات الصهيونية تقضي بأنّ اليهود هم شعب الله المختار، وباقي البشر انّما خُلقوا لخدمتهم! لأنّ الله تعالى قد أرادهم واختارهم ليحكموا على الآخرين! طبق ما ترويه توراتهم.

 

ولذلك فإنّه يحقّ للشعب اليهودي أن يذلّل جميع ما يعترض طريقه بكلّ الوسائل المتاحة، حتّى لو اقتضى ذلك إستخدام العنف والوحشية في قتل «الآخرين» أو نهب ثرواتهم وهدم منازلهم، فالعالم بأسره يجب أن يخضع للحكم اليهودي!!.

 

وأنّ توراتهم تنصّ على أنّ لدولة اسرائيل حدوداً مقدّسة قد وضعها الربّ لهم منذ نزول الناموس الأعظم على موسى، وهي أرض كنعان التي تبدأ بزعمهم من النيل الى الفرات! وانّه لابدّ أن تبقى بأيدي اليهود مهما يبلغ الثمن!!.

 

جاء في سفر التكوين من التوراة: «وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان». وجاء أيضاً: «في ذلك اليوم قطع الربّ مع إبراهيم قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر الى النهر الكبير»([10]).

 

هذا التفكير العنصري الذي يحمله الصهاينة جعلهم يعانون من أزمات حادّة تعصف بهم داخلياً وخارجياً تحول دون إمكان التعايش السلمي مع «الآخرين».

فأمّا داخلياً: فإنّ لهذا التفكير أثر سلبي على التعايش السلمي بين اليهود أنفسهم. إذ انّ هناك فرقة تدعى بـ«اشكناز» تعود جذورها الى أوروبا ومنطقة الخزر، وهذه الفرقة ترى نفسها أفضل واسمى عنصراً من الفرقة اليهودية المسماة بـ«سفارديوم» التي تنحدر من أصول شرقية، ممّا أدّى الى بروز صراعات ومشاحنات قومية عنصرية داخل الكيان الصهيوني.

 

وأمّا خارجياً: فانّهم يعانون من مشكلة التناقض فيما يعتقدونه من عقيدة كونهم شعب الله المختار، وما يتطلّعون إليه من نيل التواصل مع الشعوب والثقافات الأخرى.

 

فهم يواجهون متاعب نفسية وإجتماعية كبيرة تجاه هذه المشكلة، وبالتالي فهم يعيشون أزمات حادّة من أجل التعايش السلمي مع الشعوب المجاورة، وخاصّة تلك التي تتّسم بحضارة عريقة، وتمتلك ثقافة مستنيرة.

 

ومن هنا فانّ «الثقافة» الصهيونية ثقافة متحجّرة وساكنة وغير صالحة لأن تُعرض على الآخرين أو أن تتنافس مع الثقافات الأخرى.

 

وعلى الرغم من كلّ المحاولات والمساعي الحثيثة التي بُذلت ابّان الحرب للإبقاء على حقيقة هذه الثقافة في طي الكتمان، فانّ مساعيهم باءت بالفشل بعدما تكشّفت للشعوب والأمم حقيقتها القائمة على العنصرية الممقوتة. وحينما أرادوا التعامل مع الشعوب الأخرى على مبدأ التعايش السلمي بهذه العقلية الثقافية المتحجّرة، النفسية المضطربة المريضة، واجهوا مشكلة كبيرة ومتفاقمة أمام طريق تواصلهم مع الآخرين.

 

وإذا أخذنا بنظر الإعتبار المعتقدات الدينية اليهودية المتزمّتة القائمة على أسس ملخّصها: عدم الإعتراف بالشعوب الأخرى، واعتبار هذه الشعوب مجرد خدم لليهود ليس إلاّ، فيكون من الواضح لكل باحث منصف أنّ القضايا الانسانية ليست لها أيّة قيمة تذكر في القاموس الثقافي الصهيوني.

 

فمبدأ حقوق الإنسان يتناقض مع الأسس العقيدية لليهود، وهكذا مبدأ حقّ الشعوب بتقرير مصيرها. وأمّا ارتكاب المجازر وإستخدام لغة القسوة والإرهاب والتهجير فهو جزء لايتجزأ من ثقافتهم الضيقة.

 

فالمجازر الوحشية التي قام بها اليهود ضد شعوب المنطقة العربية الإسلامية إبّان الاحتلال، وسياسة التشريد والتنكيل التي ارتكبوها ضد مسلمي فلسطين ولبنان لم يدع أيّ  مجال لإمكانية إقرار مبادىء التعايش السلمي من قبيل: مراعاة حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية المتعارف عليها دولياً([11]).

 

وليس أدلّ على الوجه العنصري للكيان الصهيوني الغاصب من إدانة المجتمع الدولي للصهيونية، وذلك حينما صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11/11/1975م على اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية.

 

إذ تشير الجمعية العامة في قرارها المرقّم 1904 (د ـ 18) والمؤرّخ في العشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1963م الذي أصدرت فيه إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وتؤكّد على: «انّ أيّ  مذهب يقوم على التفرقة العنصرية أو التفوق العنصري مذهب خاطىء علمياً، ومشجوب أدبياً وظالم وخطر اجتماعياً».

 

كما وأدانت الجمعية العامة في قرارها المرقّم 3151 (د ـ 28) والمؤرّخ في 14 كانون الأول/ ديسمبر عام 1973م جملة أمور، منها: «التحالف الآثم بين العنصرية بأفريقيا الجنوبية والصهيونية»([12]).

 

وأدانت أيضاً منظمة الوحدة الأفريقية في دورتها العادية الثانية عشر المعقودة في «كمبالا» في الفترة من تموز/يوليو الى آب/اغسطس من عام 1975م والذي جاء فيها: «انّ النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلّة والنظامين العنصريّين الحاكمين في زيمبابوي وافريقيا الجنوبية ترجع الى أصل استعماري مشترك، وتشكل كياناً كلّياً، ولها هيكل عنصري واحد، وترتبط إرتباطاً عضوياً في سياستها الرامية الى إهدار كرامة الإنسان وحرمته...».

 

وفي الإعلان السياسي لمؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز المنعقد في «ليما» في الفترة من 25 الى 30 آب/اغسطس من عام1975م أدان أيضاً الصهيونية بأقصى شدة بوصفها تهديداً للسلم والأمن العالميّين، وطلب الى جميع البلدان المشاركة مقاومة هذه الأيديولوجية العنصرية البغيضة... ([13]).

 

وممّا يجدر ذكره أنّ الصهاينة في الوقت الذي يمارسون فيه سياستهم العنصرية فانّهم يفخرون بالأسبقية في هذا الميدان من ائمة العنصريّين في العالم كهتلر وموسوليني وفيرفورد، ومن قبلهم: نيتشه وفيختة وكويستلر الذي قال عن هجرة اليهود الى فلسطين: سيصبح كومونولث المهاجرين هذا رأس جسر الديمقراطية الأوروبية!!.

 

كتب «آحادهاعام» وهو من مفكّري اليهود الأوائل، ومن مؤسّسي المدرسة الروحية اليهودية يقول في هذا الصدد: إنّ اليهودية سبقت النيتشوية بعدّة قرون بفكرة الرجل اليهودي المتفوّق! الرجل النقي الصدّيق الذي هو غاية في حدّ ذاته... والذي خُلق العالم من أجله!! ([14]).

 

واعلن حاييم وايزمن القائد والمنظّر للحركة الصهيونية في خطابه الذي اشتهر فيما بعد بـ«الإستراتيجية الصهيونية» أنّه في لقائه مع اللورد «بلفور» وزير الخارجية البريطاني ـ الذي أعطى لليهود وعداً عام 1917م بإنشاء حكومة إسرائيل ـ قال له: لابدّ وأن يكون عدد سكّان إسرائيل في البداية 4 ـ 5 ملايين نسمة لنتمكّن بهذه القوة أن نشيد كياناً اقتصادياً مقتدراً كمرحلة أولى، ومن ثم نعمل على زيادة عدد اليهود باتباع سياسة «خاصّة» ليتسنّى لنا اجتياح الشرق الأقصى بعد أن نحكم سيطرتنا على الشرق الأوسط! واضاف: لقد أقنعت اللورد بلفور بأنّ الإستعمار هو الصهيونية بنفسها([15]).

 

إنّ الصهيوينة البغيضة التي استطاعت أن تستدرّ عطف ومعونة أوربا عام 1948م في خصوص إقامة الكيان الغاصب، تحاول اليوم أن تحتفظ بذلك النجاح نفسه، وتستفيد منه أقصى حدّ ممكن في إجراء سياستها المبنية على أسس توسعية قائمة على أركان ذات صفة عنصرية مقيتة.

 

وهذه السياسة كثير ما سببت لها المشاكل الجمّة، ولعلّ أبرزها المشكلة الثقافية ـ التي نحن في صدد الحديث عنها ـ في اتّصالها بالحكومات العربية والإسلامية، وحالت دون إيجاد الأرضية المناسبة التي يمكن أن يقام عليها التطبيع بينها وبين العرب المسلمين.

 

وقد أشار قادة العرب ومثقّفوهم الى هذه الحقيقة أكثر من مرّة، وحذّروا من الأطماع التوسعية التي جبل عليها الكيان الصهيوني الغاصب وأنصاره المتحمسّون. ولعلّ أول من أشار الى هذه المسألة هو الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر حيث قال في خطابه الذي ألقاه بدمشق: رأيت في إحدى المجلاّت التابعة لجيش اسرائيل مقالاً بعنوان «نحو دمشق» جاء فيه: إذا أردنا أن نقضي على العرب فلابدّ لنا أولاً أن نحتلّ سوريا! والخطأ القاتل الذي وقع فيه الصليبيّون هو أنّهم عندما احتلّوا البلدان العربية لم يحتلّوا سوريا بأكملها، ممّا أدّى ذلك الى اتاحة الفرصة للعرب لأن يلملموا شتاتهم مرة أخرى. يجب أن نمحو العرب من على وجه الكرة الأرضية ليحلّ محلّهم صهاينة العالم!! ([16]).

 

2 ـ المشكلة الأساسية الثانية التي يعاني منها الكيان المحتلّ هي: افتقاره للحضارة، وعدم توفّره على خلفية ثقافية يمكن أن يستند عليها في مباحثاته ضمن مسيرة التطبيع والتواصل مع الشعوب الأخرى التي تعيش المنطقة على الخصوص.

 

حيث إنّ الكيان ككل ـ حكومة وشعباً ـ لازال بأيدي القوى السياسية العالمية بمثابة الأداة والآلة في تنفيذ المخطّطات التي تُصنع وتُستخدم في المراكز الغربية والأميركية ذات العلاقة بأصحاب القرارات العليا والصادرة لأجل حماية مصالح تلك القوى الحيوية والإستراتيجية. وطالما استعانت به أوروبا من قبل والولايات المتحدة اليوم في حلّ مشكلاتها والعقبات الحادثة في طريق سياستها الإستعمارية في منطقة الشرق الأوسط الثري.

 

فالصهاينة بلا ثقافة ولا حضارة، ولذا فانّ اسرائيل تحاول بغباوة أن تقتبس من أوربا وأميركا والبلدان العربية الإسلامية المجاورة لها التركيبة الثقافية لمجتمعها، وتكتسب التشكيلة الحضارية ولو ظاهرياً لكيانها ثم تدّعي الأصالة في حالة المنافسة مع الآخرين.

 

وبذلك استطاع منظّرو الكيان الصهيوني أن يكوّنوا له حكومةً سياسيةً «تقتطع» اعترافات الدول بها اقتطاعاً، وكياناً ثقافياً يدّعي المدنية والأصالة بلسان سليط، كل ذلك من خلال الإفادة من المقتبسات المتناثرة هنا وهناك من الثقافات الاخرى.

 

ومن الطبيعي انّ مثل هذه «الثقافة» لا تقوى على القيام بعملية «اختراق» ثقافي أو تحدّ في هذا المجال لمجتمعات تمتلك حضارة عريقة وتتمتّع بثقافة أصيلة ورفيعة، لأنّها تفتقد بالمرّة الى المقوّمات التي من شأنها تثبيت العناصر الثقافية المؤثرة في الواقع الحضاري لكل مجتمع وتمنحه المسحة الحضارية في طول حياته.

 

3 ـ وجود مجاميع يهودية متطرفة في هذا الكيان تضمّ رجال دين وسياسة وغيرهما، تشكّل بمجموعها كأداة ضغط سياسية لتحركات الحكومة ونشاطاتها في صعيد التطبيع والتواصل الثقافي مع الشعوب والأمم الأخرى.

 

وبذلك أصبحت هذه المجاميع الحاقدة أحد المعرقلات التي تعترض حركة الحكومة الاسرائيلية في سبيل إقرار التطبيع مع العرب المسلمين، وتكريس حالة التواصل من خلال إيجاد ثوابت مشتركة مع سائر الثقافات الأخرى.

 

4 ـ اختلاف المعتقدات والقيم والآداب والتقاليد في المجتمع اليهودي الاسرائيلي تبعاً لتباين البلدان التي هاجر منها اليهود: من روسيا الى اثيوبيا، ومن يوغسلافيا الى تايلند، حالت دون ظهور ثقافة واحدة وتقاليد منسجمة داخل المجتمع الصهيوني.

 

فالمواطنون «الاسرائيليون» ينحدرون من قوميات مختلفة، وهو ما يستتبع وجود مذاقات وأشربة متعدّدة بينها تمام الإختلاف.

 

كتب «أوجين بتلر» استاذ علم الأجناس في جامعة جنيف يقول: إنّ جميع اليهود بعيدون عن الانتماء الى الجنس اليهودي. ويضيف بعد ذلك: إنّ اليهود يؤلّفون جماعة دينية إجتماعية من غير شكّ، لكن العناصر التي تتألف منها متنوّعة تنوّعاً عظيماً، إذ انّ المهمّ الذي لابد أن نعلمه إنّ اليهود في ألمانيا والبلاد السلافية هم طوائف من الألمان والسلاف اعتنقوا الدين اليهودي منذ القرن الثالث قبل الميلاد على يد أولئك المبشّرين... فاليهود عبارة عن طائفة دينية اجتماعية انضمّ إليهم في جميع العصور أشخاص من أجناس شتّى، وهؤلاء المتهورون جاؤوا من جميع الآفاق، فمنهم الفلاشا سكّان الحبشة، ومنهم الألمان ذوو السحنة الجرمانية، ومنهم التامل اليهود السود من الهند، ومنهم الخزر والمفروض أنّهم من الجنس التركي... ثم يستخلص فيقول: إنّ اليهود هم أعضاء في شعوب كثيرة، ولهم أوطان عديدة وإن اختلفوا في الدين عن سائر السكّان فيها، فمن الإفتراء أن يقال: إنّ اليهود شعب لا وطن له([17]).

 

فهذا الاختلاف يشكّل عقبة صعبة أمام سياسة الحكومة من جهتين:

 

الأُولى: من جهة سياستها الرامية الى تكوين كيان يتمتّع بمحورية قوية حول المعتقد الديني الواحد وذي مشرب واحد على الأمد القريب.

 

والثانية: من جهة سياستها القائمة على تصدير «الثقافة» الصهيونية الى الآخرين، طبق مخطّط يبتني أساسه على إقرار التطبيع كمرحلة تالية لما بعد «السلام» في المنطقة.

 

5 ـ ما ارتكبه الكيان الصهيوني الغاصب بحقّ الشعب الفلسطيني المسلم من مجازر وحشية وسياسة قائمة على القهر والتجاوز وانتهاك الحرمات، بدرجة من القسوة والبشاعة بحيث لا يمكن ان تغيب عن ذاكرة المسلمين عموماً والعرب خصوصاً أبداً.

 

والأهمّ من ذلك ما انتهكه الكيان وأتباعه المتحمّسين من جرأة لا نظير لها لحركة المقدّسات الإسلامية والرموز الدينية للمسلمين من قبيل: إحراق المسجد الأقصى، واطلاق النار على المصلّين، وإهانة القرآن الكريم واعتقال علماء الإسلام... وغيرها، كل ذلك حال دون قبول «الثقافة» الصهيونية عند المسلمين، أو التأقلم معها بأيّ شكل من الأشكال.

 

6 ـ انتشار الفلسطينيين المسلمين المشرّدين والمتضرّرين جراء اغتصاب الكيان المحتلّ أراضيهم ومنازلهم في مختلف بلدان العالم، خاصّة إذا علمنا أنّ كل واحد من هؤلاء يحمل معه مظلوميته التي هي امتداد لمظلومية فلسطين العربية المسلمة، التي شاهدها بنفسه واكتوى بنارها. وهذا ما يجعل سجل الجرائم التي قام بتنفيذها الكيان الصهيوني مفتوحاً أمام أنظار العالم الحرّ، وبالتالي فانّه من الصعب أن يبرّىء هذا الكيان ساحته أمام الرأي العام العالمي عموماً والإسلامي العربي خصوصاً.

 

ومنه تبرز مشكلة إقناع هذه الأجيال والشعوب المسلمة على القبول بإقتراحات هذا الكيان الغاصب الرامية باتجاه التطبيع أو التعايش السلمي معها.

عناصر القوة في المجتمع الإسلامي:

ومن العقبات الأخرى التي تحول دون إمكان حدوث التطبيع والتواصل السلمي عبر الاختراق الثقافي الصهيوني للأمة الإسلامية هو وجود عناصر قوة في المجتمع المسلم التي هي بمثابة سدّ هائل أمام العدوّ الغاصب ومساعيه الرامية الى تحطيم الثقافة الإسلامية واستبدالها بثقافة تسمح بإحلال «السلام» في المنطقة، وإقرار أسس التعايش المبنية على الاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة سياسية ذات شأن كبير.

 

وهذه العناصر لو تمّ ترشيدها بالشكل الصحيح فانّه يمكن الإفادة منها كعناصر مقاومة لها القدرة الخارقة على سدّ الثغرات التي يحاول العدوّ اختراقنا من خلالها.

ولعلّ من أهمّ هذه العناصر:

1 ـ وجود المقاومة الإسلامية في أرض الواقع، وهي حقيقة تدعو الى التفاؤل بمستقبل مشرق للأمة الإسلامية جمعاء، فالمقاومة الإسلامية هي مصدر قوة واقتدار للمسلمين جميعاً وخاصّة للعرب منهم، سواء على الصعيد السياسي أو الثقافي أو العسكري.

 

فعندما يدرك أفراد المجتمع الإسلامي بأنّ ابنائه مازالوا هناك صامدين ويشغلون مواقع قتالية متقدّمة أمام العدو بكل تجهيزاته، ويسدّدون الضربات الموجعة بـ«جسم» العدوّ الغادر، فإنّ المجتمع ككل سوف لا يجد فكاكاً من الإلتزام بقيمه الإسلامية، والتمسّك بهويته وثقافته الإسلامية اكثر فاكثر.

 

ولعلّ استمرار المقاومة الإسلامية الشعبية في فلسطين، وديمومة ثورة الحجارة خير شاهد على ما نذهب إليه، خصوصاً بعد الاتفاقات التي حصلت أخيراً بين عرفات ورابين ممّا يدلّل على عظمة هذا المجتمع المسلم الذي يضمّ من عناصرالقوة مالا يضمّ غيره منها.

 

إنّ للحركات الإسلامية الثورية كحركة حزب الله وحركة حماس والجهاد الإسلامي دوراً كبيراً وبارزاً في هدم الأسس الفكرية التي اعتمدها العدو  الصهيوني في المواجهة، وإحباط مخطّطاته الرامية الى اختراق العالم الإسلامي بمعونة القوى الكبرى.

 

2 ـ وجود دين واحد يحكم المجتمع، وهو دين الإسلام، مصدر القوة الاساسية الفاعلة التي بإمكانها أن تعبّىء مليار مسلم في الجبهة الإسلامية للوقوف صفّاً واحداً مقابل اسرائيل.

 

إنّ وجود مثل هذا القاسم المشترك الثقافي الكبير يعدّ بلاشكّ رأسمالاً عظيماً يمكن أن يوفر الأرضية المناسبة لتشكيل أضخم تجمّع ثقافي، واكبر وحدة فكرية على وجه الكرة الارضية. ومن ثمّ يوجّه الطاقات الهائلة والقدرات العظيمة باتجاه كسب المعركة لصالحه.

 

وخاصّة لو كانت الجهة المقابلة للمسلمين هم اليهود الذين مافتأ القرآن الكريم يذمّهم ويحذّر بشدة من إقامة أيّة علاقات معهم، ويصفهم بأهل غدر ومكر واحتيال في آيات مباركة عديدة تكفي لتزريق المجتمع الإسلامي بالمناعة اللازمة أمام محاولات التغلغل والاخلاق التي تقوم بها «الميكروبات» الصهيونية، وتمدّ النفوس بروح المقاومة والتصدّي والعداء تجاه المحتلّين.

 

3 ـ العداء المتصاعد للكيان الصهيوني هو من صميم الثقافة العامة في البلدان العربية والإسلامية، ويتزايد هذا العداء بصورة مستمرة نظراً للاعلام الموسّع والمناهض للصهيونية الذي أفرز أرضية خصبة تعزّز من الكراهية والحقد إزاء هذا الكيان الغاصب عند الأجيال المتعاقبة.

 

أضف الى ذلك قرافة الجرائم ووحشيتها التي يمارسها الصهاينة وعملائهم المرتزقة ضد العناصر الوطنية والرموز الدينية ممّا ساعد على زيادة الكراهية الممزوجة بالحقد الشديد في قلوب جميع المسلمين والأحرار في العالم.

 

وقد تغلغل هذا الحقد والكراهية في قلوب أفراد المجتمع العربي الإسلامي خاصّة بشكل أصبح من المستحيل استئصاله أو تخفيف حدّته وشدّته. وهو بذلك يمكن أن يشكل إحدى مصادر القوة «الكامنة» المقاومة للثقافة الإسلامية في مواجهتها للغزو الثقافي المقيت.

 

4 ـ وجود المقاومة الوطنية والقومية المناهضة للكيان الصهيوني في البلدان العربية. وقد جاء هذا الوجود كردّ فعل طبيعي إزاء ظهور الصهيونية في هذه البقعة من العالم العربي، وما أفرزه هذا الظهور من مآسي وأورام في جسم الأمة، إضافة الى ما أورثها من أحزان مستمرة زادت من تورّمها.

 

ولذا بدأت القومية العربية مشوارها النضالي ضد الصهاينة دفاعاً عن أراضيها وحقوق الشعب العربي المهدورة والمغصوبة من خلال تأسيس منظمات وأحزاب متعدّدة تحمل الطابع النضالي ضد الصهيونية العالمية.

 

ولعلّ أول تنظيم قومي بدأ نشاطه المعادي للصهيونية يعود تاريخه الى النصف الأول من القرن التاسع عشر للميلاد. ففي سنة 1919م تمّ تشكيل مؤتمر في دمشق بهدف التصدّي لمشروع بلفور السيء  الصيت بإقامة دولة إسرائيل.

 

ثم استمرّ انعقاد سلسلة المؤتمرات داخل فلسطين بدءاً من المؤتمر العربي سنة 1919م الذي انعقد في القدس، ومروراً بمؤتمر «ضرورة الكفاح المسلّح» بنابلس سنة1931م، الى مؤتمر الشباب العربي الفلسطيني في يافا سنة 1932م، وحتّى مؤتمر الثورة الفلسطينية الكبرى في عام 1936م([18]).

 دور رجال الفكر والثقافة في المواجهة:

 

لعب الكتّاب والفنّانون والصحفيّون ورجال الفكر والثقافة والأدب من العرب والمسلمين دوراً متميزاً في هذا الصعيد. إذ بعد أن يئس العدو الصهيوني ـ بعد استخدامه كل أساليبه وحيله الماكره ـ من علماء المسلمين لجرّهم الى طرفه، وابتدأ بالتعامل معهم وفق سياسة البطش والتبعيد، وجّه اهتماماته نحو الطبقة المثقّفة من أبناء الأمة العربية الاسلامية، وتوجيههم بالاتجاه الذي يرغب فيه، ظنّاً منه انّ الدور وصل إليهم وأنّه يرى فيهم ما يحبّ من الترويج لبضاعته المزجاة في كتاباتهم ونصوصهم الشعرية وأعمالهم الفنية في سوق المسلمين، ويهرّجون لعملية «السلام» التي يدعو إليها اضافة الى أبواق دعاياته في المنطقة.

 

ولكن الكتّاب والمثقفين لم يرتبطوا بعجلة العدو البغيضة، وظلّوا متمسّكين بأصالتهم وهويتهم الحقيقية، وأوفياء للقيم التي تربّوا عليها وترعرعوا فيها.

 

ذلك لأنّ قبول الاحتلال والترويج له انّما هو امتهان للعدالة والانسانية، وهذا ما لا يرتضيه أيّ  كاتب ومفكّر يكافح من أجل هذين المبدأين الأساسيّين.

 

ويمكن أن نعرض بعض الأمثلة والشواهد التي تدلّل على تمسّك المثقفين والكتّاب والصحفيّين من أبناء الأمة العربية الإسلامية بأصالتهم ومبادئهم التي استقوا منها:

 

1 ـ على الرغم من مرور اكثر من عشرين عاماً على إقامة مصر علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني الغاصب، وحرّية السفر بين البلدين مفتوحة أمام المصريّين وأفراد الكيان، إلاّ أنّ كلاً من نقابة الحقوقيّين ونقابة الأطباء ونقابة الصحفيّين ونقابة الفنانين حرّمت على اعضائها السفر الى ذلك الكيان، وأبدت هذه النقابات حساسيّة شديدة إزاء اي انتهاك للقوانين والمقرّرات التي أصدرتها في هذا الخصوص من قبل أعضائها.

 

2 ـ تشكيل اللجنة الدائمة لمناهضة الغزو الثقافي الصهيوني في لبنان، وانضمام العشرات من الكتّاب والأدباء بما فيهم أعضاء رسميون في الحكومة. وكان من أعمال هذه اللجنة الدائمة إبداء ردود فعل شديدة ازاء أيّ  تظاهرة ثقافية يقوم بها أيٌّ  كان تدعو للتطبيع مع العدو الغاصب.

 

وتجدر الاشارة الى أنّ  هذه اللجنة قد أقامت ندوة موسّعة تحت شعار «مناهضة الغزو الثقافي الإسرائيلي» بتاريخ 11/1/1994م في مقر مركز نقابة الصحفيّين في لبنان وبحضور عشرات الكتّاب العرب البارزين ونواب المجلس ووزير الثقافة اللبناني([19]).

 

3 ـ بعد معاهدات التطبيع بين الكيان الصهيوني والأردن تمّ تأسيس الأمانة العامة للتصدّي وأهمّ وظائفها المعلنة([20]):

 

أ ـ إصدار مجلة ثقافية ـ سياسية كل شهرين تهدف الى التنبيه الى خطر الكيان المحتلّ وفضح ما يقوم به من أعمال في مضمار الغزو الثقافي في البلاد العربية والإسلامية.

 

ب ـ إقامة الندوات والمؤتمرات وبشعارات تفرضها المرحلة الراهنة.

 

حـ ـ توعية الجماهير وبث الثقافة الثورية المناوئة للكيان الصهيوني الغاصب.

 

د ـ إصدار البيانات اللازمة لكشف المخطّطات التي يقوم بها كل من تسوّل له نفسه بالتعاون مع هذا الكيان المقيت وأذنابه أمام الرأي العام العربي والعالمي.

 

هـ ـ تأسيس لجان فرعية في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بهدف التصدّي لكل حدث يدعو الى التساوم، واستقطاب الجماهير نحو المشاريع التي ترمي الى مناهضة العدو وعملائه في المنطقة.

 

4 ـ تشكيل اللجنة الدائمة لمقاومة التطبيع الثقافي التابعة للاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب التي تحتفظ بموقفها المعادي لكل المحاولات الثقافية الرامية الى تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني المشؤوم.؟

 

وآخر انجاز كان لهذه اللجنة ما اصدرته من بيان ينتقد الشاعرة الاردنية زليخا ابو ريشة لحضورها مؤتمر «المرأة في الشرق الأوسط» الذي ترأسه وزير الثقافة والاتصالات الاسرائيلي شولاميت آلومي الصهيوني المقيت.

 

5 ـ بعد اتّفاق غزة ـ أريحا وقّع العديد من الكتّاب والادباء المصريين على وثيقة تضمنّت الاشارة الى الجهود الحثيثة التي يبذلها الكيان الصهيوني للتقرّب من الكتّاب والمثقفين المصريين، وأكّد الموقّعون شجبهم واستنكارهم لأي لون من ألوان التعاون المتبادل مع الصهاينة، معتبرين ذلك خيانة بحقّ المجتمع الثقافي المصري.

 

كما وأشارت الوثيقة ايضا الى أنّ الأموال الاسرائيلية التي رصدت لهذا الغرض لايمكنها أن تضعضع مواقف الكتّاب المصريين او تثنيهم عن عزائمهم([21]).

 

6ـ في المؤتمر الذي أقامه مركز إعلام الوطن العربي بمصر في شهر كانون الثاني / يناير من عام 1994م أعلن الدكتور انينة رشيد رئيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية المصرية رفض أيّ لون من الغزل الثقافي للكيان الصهيوني، وفيه ايضا حذّر الدكتور رضوي عاشور المجتمع العربي من بعض الاوساط التي تنشط في مجال التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني في الخفاء.

سبل تعزيز المقاومة إزاء الغزو الثقافي الصهيوني:

بعد أن تعرّفنا على أبعاد الخطّة الصهيونية في الغزو الثقافي، وعناصر القوة والضعف لدى الكيان الصهيوني يتحتم علينا دراسة سبل تعزيز المقاومة ضد المخططات الرامية في هذا الصعيد.

 

حيث انّ المسلمين وهم يعيشون في ظلّ الظروف الحساسة الحالية فانّه يتحتم عليهم البحث عن الحلول الأنجع للمشاكل المحيطة حولهم، ويقفوا منها الموقف المناسب والمطلوب، خاصّة وانهم يواجهون اشرس واعتى واخبث عدوّ عرفته الامة الإسلامية عبر مسيرة حياتها الطويلة.

ومن أهم سبل تعزيز المقاومة:

1ـ التمسك والاستعانة بالاصول الدينية والعقائدية الإسلامية الاصيلة، والعمل على ابقائها حية وفاعلة في نفوس اوساط الناس من خلال استشعارهم بوجودها بينهم وفي حياتهم اليومية. ذلك لانّ العدو الصهيوني في غزوه الثقافي ينطلق من منطلقات عقيدته ودينه، لذا فانّه ينبغي في المقابل التمسّك من جهتنا بديننا وعقيدتنا الاصيلة. والعودة الى الإسلام والافكار الإسلامية وأسلمة الصراع مع الصهيونية البغيضة بدل أن يكون قوميا عربيا ضيقا هو ـ في الحقيقة ـ مصدر قوة واقتدار اكبر عند المواجهة الحضارية معه.

 

إذ أنّ الكفاح والتصدي ضد الغزو الثقافي إن كان ذا طابع إسلامي فانّ عالما يبلغ مليار نسمة بكامله سيكون معنيا في مقاومة الكيان المحتلّ، وأنّ كلّ حركة تحاول نقل ساحة المواجهة من إسلامية الى عربية محدودة ضد العدو هي في الحقيقة تسدي خدمة كبيرة للمصالح والاهداف الاسرائيلية المقيتة.

 

2ـ الإفادة من وسائل الإعلام المختلفة من قبيل الصحف والمجلات والافلام السينمائية والمسرحيات والكتاب والقصة والاذاعة والتلفزيون و .. و .. في ضخّ الفكر المناهض للصهيونية باستمرار خاصّة للاجيال القادمة، والتأكيد على المحاور التالية:

 

أ ـ الثقافة الإسلامية الاصيلة والحضارة الراقية التي كانت الامة الإسلامية تمتلكها والتي كان لها الدور البارز في بناء الحضارة الغربية المعاصرة.

 

ب ـ التذكير بولادة الكيان الصهيوني الغاصب واللقيط، وعرض جرائمه الوحشية التي ارتكبها ويرتكبها، وكلّ تجاوزاته وانتهاكاته لحقوق الانسان التي اقرّتها الامم المتحدة على الرأي العام الدولي والمحلي.

 

ج ـ نشر اخبار عمليات المقاومة والصمود الذي يبديه رجال المقاومة من أبناء الامة العربية الإسلامية لغرض اطلاع الرأي العام العالمي على وجودها واستمرارها لتبقى القضية حية دائما في ضمير الانسانية.

 

د ـ عرض فصول تاريخ المعاناة والآلام التي تحملها الشعب الفلسطيني وكذا اللبناني جراء سياسة العدو القائمة على أسس ارهابية من مفرداتها: القتل الجماعي والتشريد بالجملة وذبح الايامى والاطفال الرضّع.

 

هـ ـ تخليد ذكرى الشهداء وقادة الصراع ورموز المقاومة والقوى المجاهدة لتظلّ حية ونامية مع كل الاجيال.

 

و ـ فضح وتشهير الخونة الذين خانوا القضية الفلسطينية والجهاد الطويل الذي خاضه ويخوضه الشعب الفلسطيني المسلم.

 

ز ـ الكشف عن حقيقة الكيان اللقيط القائم على مرتكزات فكرية عنصرية ممقوتة ومستهجنة دولياً، وغياب الهوية الثقافية لديه.

 

3 ـ العمل على منع انتشار الثقافة الأوروبية والأميركية في البلدان العربية والإسلامية. إذ انّ وجود هذه الثقافات في المجتمعات العربية والإسلامية يجعل العدو الصهيوني أقدر على اختراقها وتعزيز وجوده فيها.

 

وما تجدر الاشارة إليه أنّ عملية المنع لا تشمل محطات الاذاعة والتلفزة والصحف المتداولة فحسب، بل تشمل كل ما له صلة وعلاقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالتربية والتعليم والآداب والأخلاق العامة. أي بدءاً بالمناهج الدراسية في المدارس والجامعات، ومروراً بالنصوص العلمية والأدبية، وانتهاءً بالمظاهر السلوكية الفردية والجماعية للشباب واليافعين.

 

4 ـ تعزيز الحسّاسية الثقافية والإعلامية وإبداء ردود الفعل الشديدة والمناسبة إزاء عملية التطبيع بأيّ  شكل كانت في أوساط المثقفين والمفكّرين والصحفيّين المسلمين. إذ انّه لو توفر الغطاء الإعلامي المضادّ للصهيونية فلن يتمكن هذا الكيان من بسط نفوذه داخل المجتمع المسلم، واحتوائه العناصر والقوى وكسبها الى جانبه.

 

5 ـ استمرار النشاط الديني لعلماء الإسلام وطلبة العلوم الدينية الإسلامية من مختلف المذاهب، وتأكيد الفتاوى الشرعية التي تحرّم أيّ لون من التعامل أو التنسيق مع الأعداء وعملائه، وبث الوعي الديني بين الناس من خلال فضح حقيقة الصهاينة وعدائهم الدائم والقديم للدين الإسلامي الحنيف.

 

6 ـ بذل الجهد على رفع المستوى العلمي للمجتمع العربي والإسلامي، وانقاذه من الجهل والأمّية اللذين يولّدان المناخ المناسب لـ«الإصطياد» الذي ربما يقوم به العدوّ الغادر.

 

7 ـ صيانة التراث الثقافي الإسلامي في المناطق العربية، وذلك لأنّ التراث الثقافي يعبّر عن تاريخ وحضارة الشعوب، فمن هنا برزت أهميته عند الدول. وتكتسب هذه المسألة طابعاً اكثر جدّية إذا لاحظنا أنّ العدوّ يفتقد أساساً الى أيّ  تاريخ يذكر، أو حضارة تعدّ من ضمن الحضارات الانسانية، وأمّا المسلمون فهم صانعو تاريخ آسيا والشرق الأوسط وجزءاً من أوربا، وحتّى القارة الاميركية نفسها.

 

فطبقاً للدراسات التي قام بها كلّ من: د. ايفان فان سيرتيما، د. ت. ب. ايرفينغ، د. أديب رشاد ثبت أنّ المسلمين السود قد جاءوا الى الاميركيتين قبل مجيء  كريستوفر كولومبس مكتشف أميركا بحوالي (180) عاماً. وقد قام المسلمون الأفارقة المستكشفون والتجّار بجولات استكشافية تحت رعاية الامبراطور منسي أبو بكري محمد في اجزاء كثيرة من الأميركيتين، وتشمل المنطقة التي تعرف الآن: الولايات المتحدة. ويؤكّد د. رشاد: أنّ المسلمين الافارقة تبادلوا التجارة، وأقاموا علاقات اجتماعية وتزاوجوا من أهل البلاد الاميركية، وقاموا بهدايتهم إلى الإسلام، ويقدّر عدد المسلمين الآن في الولايات المتحدة بستّة ملايين مسلم، ويشكّل الاميركيون الأفارقة اكبر مجموعة إسلامية في اميركا([22]).

 

8 ـ إحداث مراكز تحقيقية وعلمية أكاديمية تعنى بالشؤون السياسية والثقافية والاستراتيجية بهدف اجراء دراسات ومطالعات حول العدوّ في المجالات السياسية والتاريخية والجغرافية والثقافية والاجتماعية و..و.. مدعمة بالأرقام والإحصائيات الدقيقة وتزويد الاوساط الفكرية والثقافية والعلمية الإسلامية وذات العلاقة بالقرارات السياسية بها لغرض إفادتها بالمعلومات الصالحة في هذا الصعيد.

 

9 ـ تصعيد روح المقاومة والرغبة في النضال الشعبي المرير ضد كلّ التحركات المشبوهة التي تدور في فلك العمليات الاختراقية الثقافية والاجتماعية والعلمية والتربوية، من خلال تكريس روح الرفض الشعبي العام لكل ما يعرضه العدوّ الصهيوني وعملاؤه المرتزقة من عروض مغرية أحياناً في هذا الاتجاه، من قبيل ما قامت به القوات العميلة «قوات لحد» بافتتاح مدارس ابتدائية في القرى الواقعة على الشريط الحدودي المحتلّ في جنوب لبنان، وكانت النتيجة أنّ أحداً لم يدخلها، فاضطرّ العدوّ على إثر ذلك الى اغلاقها بعد مرور شهرين فقط من بداية العام الدراسي 93 ـ 1994م.

 

ولا يخفى أنّ هذا لم يحدث لو لم يتمّ التنسيق والتعاون بين العلماء والقوى المحلية في تلك القرى الصامدة.

 

10 ـ دعم وتقوية الاتحادات والنقابات الثقافية والفنية والصحفية المنتشرة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي للتصدّي الى الغزو الثقافي بجميع أبعاده.

 

11 ـ تصعيد التعاون المتبادل بين وسائل الإعلام العربية والإسلامية ووكالات أنباء الدول المسلمة لتغطية أخبار المقاومة الإسلامية في خطوط المواجهة، وكشف زيف العدوّ الصهيوني وتعريته من كل ما تحيط به من هالة القدسية والديمقراطية الزائفتين عبر هذه الوسائل والوكالات مباشرة.

 

12 ـ والأهم من ذلك كلّه: تعزيز الوحدة العربية والإسلامية التي هي إحدى أهمّ الضرورات في هذه المرحلة. وما يزيد من أهميتها أنّ هناك خطّة عمل مقابلة للعدوّ الصهيوني تهدف الى تصعيد الخلافات والمزيد من التعقيدات في علاقات المسلمين ـ دولاً وأفراداً ـ ببعضهم البعض، وما يبذله من جهد ومال في سبيل ابعاد المواقف المشتركة عن واقعهم السياسي والفكري والاجتماعي والأمني لأجل ضمان المناخ المناسب له لتمرير مخطّطاته عبره.

 

فالوحدة بين العرب والمسلمين مدرجة في قائمة الممنوعات السياسية الغربية ـ الصهيونية منذ أمد بعيد، والتقارب بين البلدان العربية والإسلامية يمثلّ خطّاً أحمر في السياسة الدولية الأميركية القائمة على معادلات خاصّة تؤكد دائماً إسقاط مصالح العرب والمسلمين لحساب مصالح الولايات المتحدة وربيبتها اسرائيل. الأمر الذي يجعل «الوحدة» بين الجماهير الإسلامية في مختلف بقاع الأرض وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط عنواناً واسعاً وخطراً في ساحة الصراع مع العدوّ على كافة الأصعدة.

ولعلّ من أبرز عوامل الوحدة بين المسلمين:

أ ـ إقامة صلاة الجمعة والجماعة وصلاة العيد التي تقام في كل بقعة من بقاع الأرض التي يسكنها المسلمون أو يتواجدون فيها وإن كان الوسط الجماهيري مسيحي التديّن أو يهودي أو غيرهما.

 

إذ انّ اصطفاف المسلمين على كافة مشاربهم وثقافاتهم ومستوياتهم العلمية والاجتماعية يخلق حالة خاصة يمكن أن تقارب من وجهات النظر من خلال تبادل الاحاديث والأخبار الحادثة الراهنة وهم في وسط طقوسي عبادي روحي يُقرّب الى الله زلفى، فيعين على التآلف والتوادد، ويزيل البغضاء الى أقصى حدّ ممكن.

 

ولعلّ هذا هو الهدف الذي من أجله حثّ الشارع المقدّس على الالتزام بصلاة الجماعة في المساجد، وحضّ المسلمين على المداومة عليها دون انقطاع في روايات وأخبار كثيرة.

 

ب ـ إقامة المؤتمرات المخصّصة للبحث والدراسة في المسائل ذات العلاقة بهذا الاتجاه، لما تلعبه هذه المؤتمرات من دور حيوي على اكثر من صعيد:

 

* برمجة اسلوب العمل وحيثيات تنظيمه.

 

* توجيه اهتمام الأمة واستقطابه باتجاه الأزمات الراهنة التي تحيط بها.

 

* ايجاد التفاعل الحركي وبلورته على أرض الواقع.

 

* تحديد الأزمات المستجدة، وتشخيص خطوطها العامة لغرض التعرّف على عمقها ومقدار خطورتها.

 

* توجيه الخطاب السياسي والفكري والاجتماعي والثقافي والعلمي وحتّى الأمني من خلاله بحيث يمكن اطلاق مفرداته في سبيل «تحريك» العناوين المشتركة بين العرب والمسلمين.

 

* فتح الحوار السياسي الحيوي الواسع بين الأطراف العربية الإسلامية لغرض صبّها في خطّ الصراع الحقيقي والمواجهات المصيرية.

 

* توجيه كافة الاستعدادات والامكانيات والقدرات لمواجهة العدوّ الصهيوني وعملائه في حرب متعدّدة الأغراض والاهداف.

 

* دفق القضية بالحيوية والروح النابضة بالحياة لتعيشها الأمة بكلّ جوارحها وتدرجها ضمن همومها.

 

فإقامة المؤتمرات الدورية المستمرة، ودعوة الثلّة المؤمنة والغيورة من كافة الشرائح الثقافية والفكرية والعلمية المختلفة انّما هو تشكيل حيوي يقوم بلا شك بدوره الفعّال ضمن عمليات المواجهة والتصدّي لكلّ المؤامرات التي تحيكها المراكز الغربية الاميركية والدوائر الصهيونية العالمية التابعة لها في دهاليز وكالاتهم الاستخباراتية السّيئة الصيت لاحتواء الأمة الإسلامية، وامتصاص خيراتها وثرواتها التي منّ الله تعالى بها عليها.

محتوى الموضوعات

* المقدّمة

 

* الخطّ الاميركية ـ الصهيونية

 

* تسخير وسائل الإعلام العربية لعملية التطبيع

 

* الاهتمام الصهيوني بالتراث الإسلامي

 

* تأسيس المراكز السياسيّة

 

ـ مؤسّسة «البادرة من أجل السلام»

 

ـ المركز الاكاديمي الاسرائيلي

 

ـ منظمة «الحوار اليهودي ـ العربي»

 

ـ مركز «غوته» الثقافي

 

* العقبات التي تواجه الغزو الثقافي الصهيوني

 

ـ مشكلة العقيدة اليهوديّة

 

ـ افتقار العدوّ للثقافة والحضارة والتاريخ

 

ـ وجود المتطرفين اليهود

 

ـ اختلاف المعتقدات والتقاليد في المجتمع اليهودي

 

ـ كثرة المجازر الوحشية بحقّ الشعب الفلسطيني

 

ـ انتشار المشرّدين والمضطهدين في العالم من الفلسطينيّين

 

* عناصر القوة في المجتمع الإسلامي

 

ـ وجود المقاومة الإسلامية

 

ـ وجود دين واحد يحكم المجتمع وهو دين الإسلام

 

ـ العداء المتصاعد للكيان الصهيوني هو من صميم الثقافة العامة

 

ـ وجود المقاومة الوطنية والقومية المناهضة

 

* دور رجال الفكر والثقافة في المواجهة

 

* سبل تعزيز المقاومة ازاء الغزو الثقافي الصهيوني

* المحتوى

 

الهامش:

([1]). ضمن خطاب لوزير الثقافة اللبناني في مؤتمر «الغزو الصهيوني» الذي انعقد في لبنان بتاريخ 1/1/1994م.

([2]). صحيفة «الشرق» القطرية الصادرة في 29/4/1994م.

([3]). نشرته صحيفة «الحياة» اللبنانية بتاريخ20/4/1996م.

([4]). صحيفة «النهار» الصادرة في تاريخ 1/10/1994م.

([5]). نشرته صحيفة «نداء الوطن» بتاريخ 4/10/1994م.

([6]). مجلّة «المجتمع» الكويتية العدد (99) الصادرة بتاريخ 10/5/1994م.

([7]). مجلّة «المجتمع» الكويتية التي تقدّم ذكرها.

([8]). صحيفة «الحياة» اللبنانية الصادرة بتاريخ 11/6/1994م.

([9]). نشرته صحيفة «نداء الوطن» الصادرة في تاريخ 4/10/1994 ضمن سلسلة تقارير «هدى الحجرجاوي» من القاهرة.

([10]). سر التكوين: الإصحاح السابع عشر، رقم (8) و(9).

([11]). «العنصرية الصهيونية وكيفية مواجهتها» خليل حسونة: 65 طـ. ليبيا.

([12]). المرجع السابق: 71 ـ 72.

([13]). المرجع المتقدّم: 73 ـ 74.

([14]). نقلاً عن «العنصرية الصهيونية»: 52.

([15]). نقلاً عن «الصراع العربي ـ الاسرائيلي» إصدارات المؤتمر الدائم لمناهضة الصهيونية: 2.

([16]). ضمن الخطاب الذي ألقاه في دمشق بتاريخ 14/3/1959م.

([17]). نقلاً عن «القضية الفلسطينية» لعز الدين الحافظ وآخرين: 31 ط. الخرطوم 1968م.

([18]). «الصراع العربي ـ الصهيوني» من إصدارات المؤتمر الدائم لمناهضة الصهيونية: 6 ومابعدها.

([19]). الخبرنشرته صحيفة «الاهرام» القاهرية الصادرة بتاريخ 7/10/1994م.

([20]). ورد نصّ البيان في الكتاب الأول للمؤتمر الدائم لمناهضة الغزو الثقافي.

([21]). ضمن سلسلة تقارير «هدى الحجرجاوي» التي تنشرها صحيفة «نداء الوطن».

([22]). من مقال نشرته مجلة «العالم» العدد (660) بتاريخ 27/2/1999م.